اشك أن الإنصات للأبناء والحوار معهم أمرٌ مهمٌّ في تربيتهم؛ فمن خلالهما نعرف ما يدور في نفوسهم، ونستطيع توصيل ما نريد من مبادئ وقيم.
ومن خلال الأمثلة التي عرضت في المقال السابق تعرَّفنا على بعض عوامل نجاح الحوار مع الأبناء، التي كان منها:
1- تفهُّم حاجة الطفل.
2- الرسائل الإيجابية أثناء الحوار.
3- إيجاد الحافز والجائزة.
4- تفادي المشكلة قبل وقوعها.
5- تفهُّم الدافع النفسي الخفي للطفل.
6- تصحيح المفاهيم الخاطئة للطفل بعرض أمثلة واضحة وواقعية.
7- المناقشة بهدوء.
8- التفهُّم لما يعانيه الطفل من مشاعر سلبية وإن كانت تبدو في نظر الأم وكأنها بسيطة.
9- مناداة الطفل بألفاظ تعمل على زيادة الألفة.
10- الحنان والتلامس الجسدي.
11- استخدام عباراتٍ حانيةٍ أثناء الحوار، تعمل على زيادة الألفة والمحبة، مثل "حبيب قلبي" و"نور عيني".
وتعرفنا على بعض عوامل فشل الحوار:
1- تحويل المناقشة إلى صراع إرادات.
2- عدم التفاهم وجعل الحوار يتحوَّل إلى أوامر.
3- النظر إلى الأبناء على أنهم صغار ولا يدركون ما يتم مناقشته معهم.
4- عدم التفكير في الدافع النفسي للطفل وعدم تفهُّم مشاعره.
5- الرسائل السلبية أثناء الحوار.
6- الوصف بأوصاف سيئة أثناء الحوار، وأحيانًا يصبح هذا الوصف ملازمًا للطفل.
7- سب الطفل أثناء الحوار.
8- ذمّ طريقة تفكير الطفل مع أنها منطقية بالنسبة لسنِّه.
ونستكمل بعرض مثال لحوار آخر:
يدخل الطفل مهمومًا من المدرسة، فتعرف الأم ذلك من نبرة صوت ابنها الحزين، وهو يقول لها:
الرحلة المفروض أن نقوم بها في المدرسة الجمعة القادم أُلغيت.
الأم: أحسن.. الحمد لله أنا فرحانة، أنا لم أكن أريد أن تذهب لهذه الرحلة؛ لأنك لم تحفظ جدول الضرب ولم تحفظ القرآن للشيخ.
الطفل: لكن أنا كان نفسي أروح مع أصحابي واتفسَّح وافرح.
الأم: كل حاجة في مخَّك هي الأصحاب والفسحة، وطبعًا مش حاطط الدراسة والمذاكرة في مخك، روح غيِّر لبسك بسرعة وتعالَ للأكل يا فالح.
ونلاحظ أن من عوامل الفشل في هذا الحوار:
1- الشماتة في الحوار والتعبير بقول (الحمد لله) في الشماتة ليس في محله؛ حتى لا يفهم الطفل معنى الحمد لله خطأً مثلما نقول أحيانًا (إن شاء الله) عندما يطلب الطفل طلبًا فيفهم أننا لن ننفذه.
2- عدم تفهُّم حاجة الطفل في اللعب مع الأصحاب.
3- التهكُّم والسخرية (يا فالح) وهو ما يفسد ويقطع أي حوار.
4- ذم طريقة التفكير والاستهزاء بالمشاعر.
وتعالوا نتأمل صورةً ناجحةً كان يمكن أن يتم بها الحوار السابق.
الطفل: الرحلة المفروض أن نقوم بها في المدرسة الجمعة القادم أُلغيت.
الأم: يا حبيبي لازم أنت زعلت جدًّا، كان نفسك تروح وتلعب مع أصحابك!.
الطفل: وكنت كمان مجهّز آخذ الكورة وألعاب، غير أناشيد الأتوبيس واحنا رايحين واحنا راجعين.
الأم: يعني مخطط لكل شيء، ما شاء الله.. ربنا يعوِّضك خيرًا، أكيد المدرسة ستقوم بها لما الظروف تسمح عندهم، ولكي تكون الرحلة جميلة واللعب مع الأصحاب يكون أحلى، عليك أن تتعب قبلها حتى تشعر بحلاوة الترفيه والراحة فيها، روح احفظ جدول الضرب والقرآن لأن الشيخ سيأتي غدًا.
وهنا نرى من عوامل النجاح في هذا الحوار:
1- تفهُّم نفسية الطفل وتقدير حزنه والتعاطف معه.
2- مدحه بحسن التخطيط (حتى ولو لم يكن يقصد).
3- إيجاد حل محتمل لمشكلته (المدرسة ستقوم بالرحلة في وقت آخر).
4- التحفيز على المذاكرة والحفظ بطريقة إيجابية.
هدى الحبيب في الحوار
وتعالوا نعِش مع القمة السامقة في الرفق العجيب والحوار الهادئ؛ بأبي أنت وأمي يا حبيبي يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وصحبك وسلم.
عن أبي أمامة أن فتى من قريش أتى النبي فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا، فأقبل عليه القوم وزجروه فقالوا.. مهٍ.. مهٍ.. فقال "ادنه فدنا منه قريبًا، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال:ولا الناس يحبونه لعماتهم قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت لشيء" (رواه أحمد والطبراني).
نتعلم من هذا الحوار النبوي:
1- التواصل الجسدي (ادنه- فوضع يده الشريفة عليه).
2- الصبر على المتعلم والرفق به، حتى وإن طلب طلبًا غايةً في البشاعة "ائذن لي في الزنا".
3- الحوار الذي يحمل المنطق بأن يضع نفسه مكانَ محرمٍ من محارمِ المرأة التي يريد أن يزني بها حتى يتفهم الحل.
4- إنهاء الحوار بلمسة حانية على الفتى ومع اللمسة دعوات خالصة له.
ثم نتأمل سويًّا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لغلام يقوم بسلوك خاطئ أثناء تناول طعامه:
عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: "كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، سمِّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك"، فما زالت طُعمتي بعد" (أخرجه البخاري ومسلم ومالك وأبو داوود والترمذي).
نتعلم من هذا الحوار:
1- عدم التوجيه المباشر للخطأ "كانت يده تطيش، أي لا يأكل من أمامه وتجري يده في الطبق".
2- أوصى الغلام بثلاث وصايا، كان آخرها علاج الخطأ الذي كان يقوم به الغلام؛ بحيث لا يعرف الجالس معهما ما هو خطأ الغلام بالضبط.
إن الصبر على تربية جيل النصر المنشود يحتاج إلى مجاهدة وتدريب وعدم اليأس وتخير أحسن الأساليب، فكلنا راعٍ وكلنا مسئول عن رعيته، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق