بعد الثورة: الأبناء يتمردون على الآباء
جيل الأطفال الذي تربى بين الثورات بالتأكيد سيختلف
ليلى حـلاوة
أرسلت إحدى الأمهات تسأل في واحد من الحوارات الحية التربوية على موقع أون إسلام قائلة: "الأولاد الآن يطالبون والديهم بالديمقراطية، خصوصا بعد الثورات العربية الشعبية، ويرفضون فكرة الأوامر واعمل ومتعملش، كيف يمكن التعامل معهم في هذه الحالة؟"، ولم تكن هي الأم الوحيدة التي بدأت تلاحظ تمرد أولادها على قوانين الوالدين والعائلة والأسرة بعد الثورة المصرية التي بدأت أحداثها في الخامس والعشرين من يناير السابق 2011
انتهى عصر الاستعباد
تقول صافي وهي أم لثلاث أبناء: عندما طلبنا من أبنائنا عدم الخروج للشارع في ذروة أحداث الثورة وبعد أن انطلق المجرمون في الشوارع، رفض الأولاد الانصياع رغم المنع المباشر الذي مارسناه عليهم، وردوا بشكل حاسم: إننا لا نرضى أن نكون أقل من شباب التحرير، وبالفعل قاوموا رفضنا وخرجوا للشارع للمشاركة في اللجان الشعبية وقتها
أما ريهام فتقول: كنت خارجة مع ابني الوحيد ذو السبع سنوات، لنشتري له بعض الأشياء التي يحتاجها للدراسة، وكنت دائما أذهب معه وأختار له ما يحتاجه وأحاول أن أقنعه به، وكان غالبا لا يعترض على ذوقي واختياراتي له، إلا أننى فوجئت به قائلا: أمي أقدر بشدة تعبك معي، ولكنى لن أسمح بذلك بعد الآن، فقد انتهى عصر الاستعباد، فأنا أريد كذا وكذا .. بالطبع ما كان مني إلا أن انصعت له هذه المرة
محمود الأب المشهور بديمقراطيته مع أبنائه؛ لم يسلم أيضا من تمرد أطفاله الصغار فيقول: ابنتي المحببة إلي والمدللة أيضا وعمرها لم يتجاوز العشر سنوات رفعت شعارات جديدة داخل الأسرة وكتبتها على أوراق الكرتون وعلقتها في مدخل المنزل قائلة: "حرية حرية لا بديل للحرية"، كما أنها أصبحت تترأس حركة تمرد مع صديقاتها في العمارة التي نسكن فيها وأصبحوا يعقدون اجتماعات دورية يخرجون بها بطلبات يوجهونها لنا نحن الآباء
ثورة إضاءة الوعي
ما يحكي عنه هؤلاء الآباء دفعنا للتساؤل بدورنا هل ستحمل الثورة العربية تغييرا في منهاج التربية للأبناء؟، هل متوقع أن تتغير سياسة الآباء تجاه الأبناء؟، وهل تمرد الأطفال أو المراهقين على الآباء بعد الثورة علامة صحية أم لا؟، وهل يعكس التمرد خطأ في الأسلوب التربوي الذي كان ينتهجه الآباء من قبل تجاه تربية الأبناء؟، ومتى يحق للوالدين أن يأمروا الأولاد، ومتى يحق للأبناء أن يطالبوا بحقهم في الديمقراطية؟.. وهل هناك بعض الأمور التي لا تقبل النقاش ولابد من اتباع صيغة الأمر فيها مع الأبناء في حالة الرفض
تجيب وفاء أبو موسى -الأخصائية النفسية والمهتمة بالشأن التربوي- على هذه التساؤلات فتقول: إن من أهم منجزات الثورة أنها أضاءت وعي الأبناء للتعبير عن الذات، واتخاذ القرارات السليمة وتعزيز المشاركة الأسرية، وإن كانت تلك هي الإنجازات فهنيئاً لنا بجيل الثورة الذي لم يتغير على المستوى الوطني فقط بل على المستوى المؤسسي كالمدرسة وعلى المستوى الأسري
وتضيف قائلة: للأسرة دوراً مميزا قائم على تربية التوجيه والإرشاد وهذا ما دعت إلية الثورة، كمبدأ المشاركة وهو التغيير الحقيقي في النمط الأسري التقليدي، فالتمسك بالمشاركة الأسرية حق من حقوق الأبناء وهو معزز تربوي لأسلوب المعاملة الأسرية الإيجابي
وتستطرد أبو موسى: وقد خرج الأبناء من الثورة بمبدأ آخر غير المشاركة وهو التعبير عن الذات، فقد عانوا لسنوات طويلة من الأسلوب القمعي، أما بعد الثورة فأصبح لديهم الجرأة وتطورت لديهم قوة التعبير عن الذات
والتربية الحديثة قائمة أساساً على القدوة الحسنة، والتعزيز الإيجابي لشخصية الابن، وتشجيع الأبناء على المشاركة الأسرية، وعلى حرية تعبير الابن عن نفسه لتحقيق الذات بأفضل صورة تُقبل من الأسرة ومن المجتمع
اعتراض وليس تمرد
ولكن هل يتوقع أن تتغير سياسة الآباء تجاه الأبناء؟.. تقول أبو موسى: لا ننكر أن ما كان ينقصنا لتغيير السياسة الوطنية في الدولة هو الوعي، وما إن حدث وتفجر بشرارة ثم تمادى كالبركان معلناً أنه لا تراجع عن الحقوق الوطنية الإنسانية للمواطن في داخل هذا الوطن، لذا فإنه الأجدر بنا أن نعي جيداً أن أساليب الدكتاتورية والتمييز في التربية هي سموم تصيب شخصية أبنائنا؛ فعلينا أن نعلمهم ونربيه كإنسان له حقوق وعليه واجبات
وتستكمل: لا نستبعد أن يعيد الأبناء وجهة نظرهم في أساليبهم التربوية خاصة النمطية السلبية مثل القمع وكبت الحريات، فالثورة المصرية أيقظت في بصيرة الجميع ضرورة مراجعة الذات وإصلاحها لا جلدها والأصح لنا كآباء وأمهات أن تكون أسرنا معقلاً للإنتاج لا مقبرة تدفن جميع الأشياء حلوها ومرها
وتضيف أبو موسى: لماذا نقول على حق الاعتراض لدى أبنائنا أنه تمرد، فعلى أي أساس تربوي اعتمدنا!!، فالتربية الحديثة التي تراعي حقوق الإنسان تفرض على الوالدين ضرورة الوعي باحتياجات أبنائهم ومراعاتها وتعزيز شخصياتهم للأفضل، والعناد كسمة سلبية ينتج عن تعارض شخصية الابن مع رؤية الوالدين
وهنا السؤال نفسه إن كانت التربية تسعى لنمو شخصية الابن بسلام.. فلماذا يقتل الوالدين هذا السلام بعناد و قرارات يمكن أن تُعدل وفق آراء الجميع بعيدا عن التفرد، والذي هو بذرة العناد عند الأبناء
فالصورة التربوية الصحيحة تنص على أن التربية هي إجراءات فكرية وسلوكية يشترك بها الوالدين معاً لمساعدة الأبناء على تعزيز المشاركة الأسرية وفقاً لنظام الأسرة الداعم للإنتاج والحرية
وتؤكد وفاء على أن الأبناء بعد الثورة يعكس خطأ في الأسلوب التربوي الذي كان ينتهجه الآباء من قبل، فالتمرد ينتج من الدكتاتورية وعدم الأخذ بعين الاعتبار أن الابن هو إنسان له حقوق وواجبات
لذا فعلينا كآباء منذ نعومة أظافر أطفالنا أن نربيهم على وضوح الرؤية الأسرية للأسرة وفق نظام تربوي مجتمع يحترم الجميع، من هنا نجد أبناء مشاركون يشعرون بأنفسهم وأهميتها فيعزز إنتمائهم للأسرة والوالدين والنظام التربوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق