السبت، 23 يناير 2010

ابتسم يا حمار!


ابتسم يا حمار!

على ضفاف كورنيش قطر شاهدت سيدة سعودية تسحب ابنها من أذنه حتى تكاد تقطعها وتقول له وهو يهطل دموعا "قف ولا تتحرك حتى انتهي من تصويرك". الطفل لم يذعن لطلبها، كان يضع يديه على وجهه. اضطرت أمه للاستعانة بزوجها. جاء يهرع من الخلف حاملا يده الضخمة التي تشبه المطرقة. صفعه بها بقوة حتى أخمد بكاءه وأشعل ألمنا.

استرجعت هذا الموقف عندما شاهدت أبا سعوديا يأمر أبناءه بالابتسام أمام " فندق كمبينسكي مول الإمارات" في دبي لالتقاط صورة جماعية لهم. وقد كانت المفاجأة عندما قال لأحد الصغار وهو يهم بضغط زر الكاميرا "ابتسم يا حمار".
أي صورة تلك التي سنحظى بها وسنودعها ألبومنا وذاكرتنا. أي ابتسامة هذه التي ستولد من رحم القمع والشتائم.
من المخجل حقا أن يصورنا آباؤنا عنوة. أن يطعمونا عنوة. أن يدخلونا إلى مدارسنا عنوة.
إن نتائج هذا التعسف مؤسفة. مؤسفة جدا. سننبت متجهمين، غير مقبلين على الحياة والمستقبل. ستكون صورنا متشابهة. نرتدي ملابس مثل بعضها. نرتاد مدارس واحدة.
لاشك أنه من الضروري أن نتعلم وندخل المدارس. ولن نستطيع أن نبقى على قيد الحياة دون أن نأكل ونشرب. كما أنه من المستحيل أن نعيش في هذا العصر بلا صور.
لكن سيكون من الأجمل أن ننمي حب المدرسة في نفوس أطفالنا مبكرا. أن نمنحهم حق اختيار طعامهم بانضباط. أن نجعلهم يتفاعلون مع الكاميرا مبكرا.
بعد ذلك سنلمس الفرق. سنجدهم يسحبوننا من ثيابنا لنصورهم. سيلحون علينا لإعداد أطباقهم المفضلة. سيشركوننا في رسوماتهم وفروضهم الدراسية. سيتباهون أمامنا بخيلاء بالنجوم التي تلمع في دفاترهم.
علينا أن نجعلهم يختارون ويقررون. يبتسمون بعفوية دون افتعال. وندعهم يكشفون عن مواهبهم واختياراتهم أمامنا قبل غيرنا.
العلاقة الوطيدة بيننا وبين أطفالنا يجب أن تبدأ مبكرا. مبكرا جدا؛ لتكون صحية ومزدهرة.
يرى المعماري الخلاق الأردني راسم بدران أن علاقته الاستثنائية مع ابنه المهندس جمال بدأت منذ أن كان في بطن أمه. يقول راسم في محاضرته في الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية، التي حضرها مئات المهندسين والمهندسات الشباب الذين يعشقون أسلوبه المعماري الفريد:"كنت أضع له موسيقى موزارت بإسراف وهو جنين في أحشاء أمه".

ويؤمن راسم أن الألحان التي التقطها جمال وهو يتكون في داخل أمه ساهمت في تعلق ابنه بالموسيقى، وجعلته أصغر عازف في الأردن قبل أن يكمل سبع سنوات. ويرتبط جمال بعلاقة خاصة مع أبيه أسفرت عن مشاريع هندسية وفنية مشتركة ومبهرة.
إذا أردنا أن يعشق أبناؤنا القراءة فمن الأحرى أن ندعهم يطالعوننا ونحن نلتهم الكتب بشراهة. الواحد تلو الآخر دون هوادة. أن نملأ رفوف مكتباتنا بكتب مختلفة ومتنوعة. أن نهنئهم عندما يقرأون صفحة، ونكافئهم عندما يفرغون من كتاب. ستكون النتيجة مذهلة.
يعتقد الكوميدي والمؤلف الإنجليزي ليز داوسون، أن ولع ابنته بالروايات جاء بفضل الكتب التي غرسها في منزله. يقول:"هناك من يزرع وروداً في أرجاء بيته. أنا زرعت كتبا. قطفها أبنائي".
وبدورنا علينا أن نزرع البسمة في منازلنا. ولا ندعو الحمير والثيران والأبقار لارتيادها؛ لأنها بساتين وليست حظائر.



"كاتب سعودي مغمور"

هناك 3 تعليقات:

  1. استاذي الفاضل عمرو...
    اشكر لك مشاركتنا بمختراتك الرائعة والقيمة، كمااشكر للكاتب المغمور تألقه الملحوظ والذي استحقه به عن جدارة تصدر مدونتك الرائعة.

    لا ادري ان كان هذا الطفل سيحتفظ بهذا الصورة ام انه سيمزقها عند أول فرصة لأنها لقطة ثابتة من المقطع المتحرك الذي سب فيه واهين وناداه ابوه "بالحمار"، اكيد انه سيحاول جاهدا تجاهل هذه الصورة بالذات، اكيد انه لن يبتسم مجددا وهو يطيل النظر اليها وهو يلمح ابتسامته الباهتة الخائفة على شفتيه. -ونرجو الا تكون جميع صور الطفل تحمل نفس الابتسامة-
    وتأكيدا على بعض النقاط التي وردت بالمقال، اعرف شخصا اتجه لدراسة الفرع الأدبي من الثانوية مع توصيات كل المعلمين له بالاستمرار بالفرع العلمي لأن والده كان يطرق مسامعه دائما " ولك انت حمار يا ابني ، شو ما فهمت المسألة، حسبي الله ونعم الوكيل فيك بس" عند متابعة دروسه في البيت؟!؟

    وشكرا...

    ردحذف
  2. شكرا يا استاذ هشام على مشاركتك القيمة

    ردحذف
  3. مقال به دروس قيمة للأسلوب تربية متميز شكرا لمجهودك و لكن قلة قليلة جدا يراعون هذا الكلام ,, لأن للأسف نحن فى مجتمع الطفل ليس له اى حرية الإختيار بحجة انه صغير و ليس له خبرات حتى يستطيع الأختيار الصحيح و هذه الحجة البائسة بتستمر حتى يصبح ناضج و لكن تظل ايضا الهيمنة على اسلوبة و اختيارته على اساس انه لسه لم يعقل بعد ,,, طيب متى يتركوا له حرية الإختيار ؟؟ هذا الإسلوب يسمى ديكتاتورية كبار السن " لإرضاء غريزة السيطرة "

    ردحذف

29 خطوة لتكون مبدعا

الابداع يبدأ من الإيمان به وتنفيذ بما تؤمن به

رحلة إلى حافة الكون - ناشيونال جيوغرافيك

The Great Escape - Lion and Bear من سينجح الأسد أم الدب

Sardines run الهجوم على السردين

الرزاق - عمرو خالد - فيلم

ما أروع كوكبنا

الهرم المعجزة - د. مصطفى محمود

Do not give up لا تستسلم ابداً

ثق بنفسك - اياك ان تستمع لتثبيط الآخرين لك

قانون الجذب في خمس جمل وأغنية - من أسرار السعادة

اسلحتك لاقتحام الحياة

( قصة عقلان ) عقل المرأة وعقل الرجل

انه وقت التغيير - فلنبدأ من الآن

انظر للطلاب كيف يذهبون للمدرسة

بائعة المناديل - قصة واحدة عظات كثيرة

الاحترام نبض الجياة

بر الوالدين - موقف مؤثر جدا

الخرافة و توقع المستقبل-د. نبيل فاروق - الجزء الاول 1-3

الخرافة و توقع المستقبل - د. نبيل فاروق - الجزء الثاني 2-3

الخرافة و توقع المستقبل-د. نبيل فاروق - الجزء الثالث 3-3

Hatchery Chicks - How it's made كيف تفرخ الكتاكيت

الفقاعات السحرية المشتعلة

انظروا ماذا قدم علماء المسلمين للعالم بالقراءة والعلم -اضغط على علامة تكبير الفيديو لترى النص كاملا