لم تكن "بوبي كالر" طفلة عادية؛ إذ كانت تُتَمتم بكلمات غير مفهومة؛ حتى إنها تذكر تلك الفترة وتقول: إنها كانت في بعض الأحيان تقول أشياء لا تفهمها هي نفسها.
وعندما كانت تبلغ من العمر 6 أعوام، قررت المدرسة التي تتعلم فيها في ولاية "إلينوي" الأمريكية، أن تستعين بطبيب خبير في لغويات التحدّث؛ ليقرر ما المشكلة التي تعاني منها تلك الصغيرة التي لا يفْقَهُ أحد شيئاً مما تقوله.. وفي اليوم المحدد، ارتدَت "بوبي" فستانها، وزيّنت شعرها، وواجهت الخبير، وتحدّثت معه، وغنّت له، وسردت له حروف الهجاء، وراقبت بقلق وجهه وهو يتحول من الانبهار للاندهاش، وانتهاء بمشاعر خيبة الأمل.
عادت "بوبي" لمنزلها، وما هي سوى دقائق حتى رنّ الهاتف وجاء صوت الخبير ليخبر أمها بنتائج تقييمه لابنتها "بوبي"..
ومرة أخرى راقبت الصغيرة تبدّل ملامح وجه أمها من القلق للإحباط، وقد كان اليوم كله ذا وقع عصيب على الصغيرة.
لخّصت الأم لابنتها موجز المكالمة؛ فالابنة الصغيرة تعجز عن إخراج 18 صوتاً من حنجرتها؛ فقد تلعثمت وتقطّعت بها الكلمات وتعثّرت، وجاء رأي الطبيب أنها ستبقى كذلك ما بقي لها من عمر، ولا أمل يُرجى في شفاء حالة صعبة مثل هذه.
وقفت "بوبي" في فسحة مطبخ بيتها.. بنت صغيرة، ترتدي فستانها وتحملق في أرضية المكان، وتفكر في أمرها.. لقد حكم الخبير بأنها فاشلة ما بقي لها من حياة.
وهنا سارت أمها إليها، ومالت عليها، ووضعت يديها على كتفيها، وهزتها بحنان لترفع عينيها لأعلى، وقالت لها بحزم: لن نستمع إلى ما قاله، لا تدَعي أحداً أبداً يُخبرك ما الذي تستطيعين أو لا تستطيعين عمله.. كانت هذه النصيحة أفضل ما حصلت عليه "بوبي" في حياتها.
تخيّل أنت لو مالت هذه الأم إلى ما قاله الطبيب ولم تقاوم، ماذا كان مصير هذه الطفلة؟ على العكس من ذلك؛ فقد علّمت هذه الأم ابنتها أن تتخذ كل مقاومة تقابلها في حياتها على أنها وقودها لكي تتغلب عليها وتتقدم في حياتها، وألا تتقبل البنت عائقها؛ بل تتخذ منه وقوداً لها لكي تتغلب عليه.
تطلّب الأمر من "بوبي" سنوات طوالاً حتى تمكّنت من التحدث بشكل واضح مفهوم، وتحمّلت نظرات الدهشة المشوبة بالخوف والقلق من طريقة حديثها، وتعلّمت تقليد طريقة تحريك الآخرين لشفاههم أثناء تحدّثهم، وأجبرت نفسها على الدخول في جماعات الخطابة والنقاش والجدل المدرسية، وتدرّبت كل يوم وكل ساعة لتتغّلب على خجلها وخوفها من مواجهة الناس؛ والأهم لتتغلب على الصوت الداخلي الذي كان يذكّرها بعوراتها ونواقصها برغم انتصاراتها في ندوات النقاش وقدرتها على إثبات حجتها؛ فقد كان الصوت الداخلي مُصرًّا على أنها إنما فازت لأنها تُخفي مشكلتها.. وفي خضم اجتهادها وبذلها للمجهود الكبير، كان الصوت الداخلي ينتابها لتتوقف عن الإيمان بنفسها وبقدرتها على النجاح.
ولذلك تنصحنا "بوبي" قائلة: "إيمانك بنجاح النتيجة سيحفّزك على النجاح".. ولهذا حين لم يؤمن أهل "بوبي" بجدوى دخولها الجامعة، التحقت بسلسلة مطاعم Wendy’s، وسرعان ما أظهرت قدرات قيادية وانسجاماً للعمل مع الفريق؛ الأمر الذي انتهى بها في مدرسة مطاعم "ماكدونالدز" للإدارة، ومن بعدها أصبحت أصغر مديرة مطعم ماكدونالدز في ولاية "ميسوري"، وهي ابنة 21 ربيعاً.
انتقلت بعدها "بوبي" إلى مدينة شيكاجو، والتحقت بمكتب محاماة، ودرست إلى جانب عملها، حتى حصلت على الشهادة الجامعية؛ لتكون أول عضو في عائلتها يحصل على شهادة جامعية.
بعدها انتقلت للعمل لدى شركة أخرى، ثم خطَت أول خطواتها الجريئة نحو تأسيس شركتها الخاصة؛ شركة تقدّم دورات تدريبية وتطويرية.
وبرغم هذه الخطوة الناجحة، بقي الصوت الداخلي يسألها: هل تستحقين هذا النجاح؟ من أنت لتكوني من الناجحين؟
حتى قابلت ذات يوم، المدرب والمتحدث "روجر إنطوني"، وعبّرت له عن إعجابها بطريقته الساحرة في التحدّث، وعن رغبتها في أن تصبح متحدّثة مثله.
جاءها ردّ "روجر" الذي ساعدها على اكتشاف الحقيقة، قال لها: "يبدو لي أنك متحدثة بالفعل؛ لكنك لم تتقبلي هذا الأمر بعدُ في عقلك وفي ذهنك".
كم كان مُحقاً! وكيف أصاب سهمه عين الهدف! نعم، عليك أن تُسمّي ما تريده لتحصل عليه، ولذا شاركت "بوبي" بعدها مباشرة في جمعية المتحدثين الوطنين، التي قبِلَتها على الفور، وشرعت تقدّم بنفسها، وتتحدث في دورات التطوير وبرامج التدريب، وألّفت عدة كتب ناجحة.
في عام 2003 نال مرض غامض من "بوبي"، وكانت على وشك الرحيل عن الدنيا، واستلزم الأمر 18 شهراً حتى فَهِم أحد الأطباء سرّ مرضها، ووضع لها برنامجاً علاجياً، تطلّب منها الراحة وتقليل وتيرة العمل؛ لكنها استغلّت هذه الراحة الإجبارية في تحضير أطروحة نالت عليها درجة الدكتوراه في عام 2008، بالإضافة إلى تقرير من الطبيب يخبرها أنها شفيت من هذا المرض الغامض تماماً.
إنها لرحلة عجيبة.. بداية مِن حُكمٍ بعجزها عن التحدث مثل بقية البشر بقية عمرها، حتى أصبحت متحدثة ناجحة مشهورة تأخذ بيَدِ البشر ليثقوا في أنفسهم وفي قدراتهم.
لا تدعْ أحداً يقرّر لك ما الذي تقدر على فعله أو تعجز.. أنت من سيقرر هذا الأمر؛ فلا تَكِله إلى غيرك ما حييت.
عن مدونة رءوف شبايك (بتصرّف)
قصة جميلة و مؤثرة
ردحذفجزيت خيرا على نقلك للموضوع